إذا الثعلب يوما، عندما تتحدث الحكومة عن أطول برج فى أفريقيا تتحسس بعض المنابر الموالسة رؤوسها، وتتخفى فى ثياب الواعظين، وتحكى فى المحكى، وحديث الأولويات، ولماذا أطول برج، برج القاهرة كفاية، ولماذا أكبر كنيسة، كاتدرائية العباسية تنير العاصمة، ولماذا أكبر مسجد، ولماذا.. ولماذا.. ولماذا؟
من يبنى أطول برج فى العاصمة يبنى نحو مليون وحدة سكنية للإسكان الاجتماعى، هو نفسه من يبنى الف مدرسة، وألف وحدة صحية، هو نفسه من يمد مظلة برنامج تكافل وكرامة إلى نحو 2.2 مليون أسفل السلم الاجتماعى، وهو من يصرف التموين شهريا لنحو 79 مليونا، وهو من يخصص مليار جنيه لرعاية عيون المصريين، وعالج ويعالج مليونى مصرى مصاب بفيروس سى، وفتح غرف العمليات 24 ساعة لإنهاء أطول طابور انتظار للعمليات الحرجة بكلفة مليارية، وغيره كثير.
حديث الأولويات الذى يتشدق به الثعالب لإحباط كل الخطط المصرية للارتقاء عاليا والخروج من الكهف، يخفى فى طياته رغبة شريرة فى أن نظل هكذا محلك سر، محصورين فى الوادى الضيق، نعيش على رقعة من الأرض لا تكفى عشرة ملايين وتزدحم بنحو مائة مليون، فإذا خرج السيسى إلى الصحراء بأربع عشرة مدينة من مدن الجيل الرابع تحقيقا لحلم من الأحلام المصرية المؤجلة، أشاحوا بوجوههم، وإذا أسس لعاصمة جديدة لإنقاذ العاصمة التاريخية، وتفريغها من الأحمال الزائدة، ونقل الحكومة والبرلمان والوزارات والمصالح الحكومية التى طالما كانت محل شكوى وضيق، وإتاحة الفرصة للشركات والمكاتب ورجال الأعمال فى الخروج من قاهرة المعز إلى براح يعينهم على الإبداع ويفتح الطرق سالكة إلى الاستثمار، تمسكوا بحديث مختال عن العاصمة التاريخية التى يلعنون زحامها سرا وعلانية، ويخشون على معمارها الفريد من فرط الزحام.
غريب أمرهم، يسافرون سياحة إلى شيكاغو ويعودون منبهرين بهندسة الأبراج، ويجلدوننا، لماذا شيكاغو وليست القاهرة، ويطيرون إلى دبى، فينبهرون بإمارة السعادة، ويسجلون الرفاهية والتقدم والسعادة نكاية فى بلاد الحزن والغم والهم، فإذا ما ارتقت مصر، وحاولت مجرد محاولة للحاق بعالم الأبراج العالية، والمدن العصرية، والعواصم الحضارية، يشقون الجيوب، ويلطمون الخدود، ويندبون على قبر الميت الحى.
دوما منبهربن بالخارج، فى الخارج كذا وكذا وكذا.. فإذا ما تحرك الداخل ليكون كذا وكذا وكذا، يديرون ظهورهم، يحرمون على بلادهم الأمل، ويستكثرون على بلادهم النهضة، ويقاومون الخروج من أسر إحباطاتهم التاريخية، يجيدون التنبيط والتثبيط والتحبيط، فإذا ارتفع برج، تساءلوا فى براءة، وأين المصنع، فإذا ما افتتح مصنع، أين المستشفى، فإذا ما افتتح مجمع صحى، أين المدرسة، فإذا ما افتتحت المدارس اليابانية، أين المدارس الأمريكية، وهكذا دواليك لا تمتلئ قربهم أبدا بماء الحياة، ولا يخجلون من إحباطهم، ولا يتدارون من فشلهم، ولا يقفون موقفا عادلا مما يجرى على الأرض.
معششين كالعنكبوت فى الأركان المظلمة، ولو غبر أحدهم قدمه إلى مشاريع الطاقة الشمسية أو مزارع الرياح، أو صوبات الخضار والفاكهة أو لمواقع الإنتاج فى ربوع البلاد، لو تجول فى العاصمة الإدارية أو مدينة الجلالة السياحية أو مدينة العلمين الشاطئية أو روضة السيدة زينب على مرمى من جحورهم التى يبيتون فيها محبطين، لعلموا أن من يخطط لأعلى برج فى أفريقيا لم ينس الغلابة فى «بركة الفيل»، ومن يزرع الصحراء لم يتجاهل «تل العقارب»، ومن جعل للرمل فى الصحراء سعرا لم يبخل على الفقراء ببعض هذه الثروة التى تستغل لصالح الشعب بدلا من اختطافها من قبل المحظوظين الذين أثروا ثراء فاحشا انتقاصا من ثروة الشعب.. خلاصته لا بيعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة